في الواقع، تبيّن أنه لا يمكن مقاطعة الشركات التي لا بديل منها، أو التي تقدّم خدمات فريدة ودولية. وهذا الأمر مباح في مسألة المقاطعة، إذ يتيح مكتب المقاطعة التعامل مع شركات لديها خصائص معينة يحتاج إليها البلد العربي، ولو كانت لديها مكاتب أو فروع أو وكلاء في «إسرائيل». لذا، يبدو أن الاستنسابية التي ينتقي بها الوزير القرم هذه الملفات لا تنطبق إلا على الشركة التي ترى فيها الولايات المتحدة الأميركية تهديداً مباشراً على اقتصادها. وأميركا تسوّق بأن هذا التهديد هو أحياناً يكون لدواعٍ أمنية، لأن «هواوي» التي توصّلت إلى تقنية الـ5G بشكل منافس جداً في سوق الاتصالات الدولية قبل أن تتوصّل إليها الشركات الغربية، لم يعد مرغوباً فيها أميركياً. لذا، تعمد الإدارة الأميركية إلى التسويق بأن الصين تتنصّت على الهواتف في البلدان التي تعمل فيها سواء كانت لديها شبكات اتصالات أو تورّد إليها تكنولوجيا اتصالات.
كل الشركات الدولية وخصوصاً في مجال التكنولوجيا تعمل في «إسرائيل»
يفتح هذا النقاش الباب على المعطيات التي وردت على لسان وزراء وشخصيات عاملة في قطاع الاتصالات، إذ تبيّن أن وفداً من الملحقية التجارية في السفارة الأميركية برئاسة جوليا غرولينباخر ويرافقها نعمان الطيار، أجرى جولات عدّة على وزير الاتصالات ومستشاريه، شركتي الخلوي في لبنان (ألفا، تاتش)، وزارات «أوجيرو» أيضاً، بالإضافة إلى جولات على المطار وغيرها من المرافق الأساسية في لبنان من أجل تسويق فكرة واحدة قائمة على أنه يجب منع «هواوي» في لبنان. والمشكلة أن جوني القرم وحده من استجاب لهذه الضغوط حتى إنه أسرّ بهذا الأمر إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في اتصال هاتفي، وفق ما قال مصدر وزاري.
«هواوي» طلبت من وزير الاتصالات معاملاتها بالمثل، أي مراسلة مكتب مقاطعة إسرائيل والطلب منه استثناءها من المقاطعة كما استثنيت الكثير من الشركات، إلا أن القرم رفض الأمر بشكل حازم، رغم أن القرم يناور مع هذه الشركة من أجل الحصول على هبات إضافية. بدا الأمر كأنه «ابتزاز» من أجل تقديم هبة لتركيب محطات الطاقة الشمسية التي سبق أن منحتها «هواوي» لـ «أوجيرو». لكن رئيس مجلس الإدارة - المدير العام لهيئة «أوجيرو» وجّه كتاباً إلى مكتب مقاطعة إسرائيل في لبنان مشيراً إلى أن «هواوي هي التي قامت بتمديد خطوط الفايبر أوبتيك في لبنان، وأن عدم منحها الاستثناء سيؤدي إلى توقف الخدمات التي تقدّمها أوجيرو وشركتا الخلوي، ويؤدي إلى أضرار في البنية التحتية للقطاع، ولا سيما أن استبدال «هواوي» لا يعني بالضرورة أن الشركات الأخرى ليست لها علاقة بـ«إسرائيل» ولا يعني أن عملية الاستبدال لن تكون مكلفة جداً على الخزينة في وقت لا تتوافر اعتمادات مالية لهذا الأمر، ولا يعني أيضاً أن الاستبدال لن يؤدّي إلى خلل جسيم في ظل بديل باهظ الكلفة وغير متوافر. هكذا، أحيل الطلب إلى المكتب الرئيسي للمقاطعة في دمشق حيث تتم دراسته والاستحصال على ردّ منه بشأن الاستثناء.
وكانت وزارة الاتصالات حاولت أكثر من مرّة استبعاد «هواوي» عن المناقصات أو الأعمال التي قد تكون لها فرصة الفوز فيها بأسعار أرخص من مثيلاتها الأوروبية. فعلى سبيل المثال، ألغى القرم أخيراً مناقصة عمومية أطلقتها «تاتش» لتلزيم «Storage Infrastructure» بقيمة تقديرية تصل إلى 500 ألف دولار، وقال أمام العديد من المهتمين إن الأمر متعلق بما تطلبه السفارة الأميركية في لبنان، مشيراً إلى أنه قلق من إدراجه على لائحة العقوبات في حال لم يمتثل للولايات المتحدة. قبلها أجرى الوزير مجموعة مناورات من أجل استبعاد «هواوي» عن مناقصة تلزيم في «ألفا» من أجل التمديد لشركة «إريكسون» بناءً على طلب أميركي أيضاً... في وزارة الاتصالات مسؤول يخضع لمطالب السفارة الأميركية.